عشوائيات جدة

المشرف العام

Administrator
طاقم الإدارة

عشوائيات جدة

1261846055064222900.jpg

تعد العشوائيات ظاهرة مرضية حضرية تصاب بها العديد من مدن العالم وخاصة مدن العالم الثالث، وتظهر هذه الآفة المرضية نتيجة لغياب الرقابة البلدية مع وفرة في الأراضي الفضاء غير المخططة داخل المناطق الحضرية، وفي أطراف المدن، وفي ظل حاجة الإنسان إلى سكن مع ظروف اقتصادية صعبة تصبح هذه الأراضي وخاصة الموجودة بين الكتل السكنية هي الأوفر حظاً للاستخدام. في البدايات الأولى كانت ظاهرة العشوائيات بمدينة جدة محدودة الانتشار، ولكن مع سبعينيات القرن الماضي ونتيجة للطفرة الاقتصادية أصبحت هذه الظاهرة خطيرة كالسرطان الذي يصيب جسد الإنسان فيؤدي إلى إضعافه، وإن لم يتم العلاج بشكل سريع فسيؤدي ذلك إلى حدوث مشاكل كثيرة يصعب حلها، وهذا هو ما تتعرض له مدينة جدة في الوقت الراهن. ووفقا للدراسة التي أعدها د. اسامة بن رشاد جستنيه والاستاذة مشاعل بنت سعد المالكي بقسم الجغرافيا في جامعة الملك عبد العزيز فإن ظاهرة التعديات العشوائية بمدينة جدة بوضعها الراهن يمكن أن نطلق عليها مصطلح القرية أو المباني الشاذة، مشيرين انه اذا كانت التعديات العشوائية في كثير من دول العالم ترجع الى الفقر فإنها في المملكة ترجع بالدرجة الاولى الى جشع البعض للسطو على الاراضى وبيعها دون صكوك بأسعار منخفضة . وتعد ظاهرة السكن العشوائي في مدينة جدة من أكثر المشكلات العمرانية التي تواجه تطوير بيئتها الحضرية، وأحد مظاهر عملية النمو الحضري السريع، وهي وإن بدت في ظاهرها العام مشكلة عمرانية بحتة، إلا أنه عند سبر أغوارها يتضح أن ظاهرة السكن العشوائي ليست ظاهرة بسيطة، بل معقدة ومركبة نشأت نتيجة تضافر وتداخل عوامل ديموغرافية، اقتصادية، اجتماعية، تخطيطية، تنموية، قانونية، وثقافية، بل إن عامل الوعي الحضري كان له دور هام في بروز هذه الظاهرة فالفرد ذو الدخل المحدود يجد في هذه المساكن ضالته التي يبحث عنها في ظل غياب الأجهزة الحكومية المسؤولة. طرق الاستيلاء على الأراضي وسنحت الفرصة أمام بعض الأفراد للاستيلاء على بعض الأراضي في مدينة جدة إما بوضع اليد أو بشرائها بثمن رخيص والبناء عليها، فكان انتشار العشوائيات في مناطق متفرقة من أنحاء المدينة، والتي بدأت بالضعف الرقابي الحكومي مروراً بالحاجة الماسة لذوي الدخل المحدود من المهاجرين وانتهاء بتحقيق بعض الأفراد من غير ذوي الحاجة للعوائد المالية المجزية. مفهوم المناطق العشوائية ويقصد بالمناطق العشوائية المناطق الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمحافظة والتي نشأت بدون مخططات تقسيم أراض سابقة معتمدة على أملاك عامة أو أملاك خاصة أدت إلى توسع عمراني عشوائي غير مخطط. ولا يشترط ان يكون للمنطقة مساحة معينة حيث تتراوح مساحتهم ما بين مجموعة مساكن صغيرة إلى مجموعة أحياء كاملة، وتتباين حجماً ومساحة بصورة عفوية ولا تخضع لقواعد التخطيط. وتقسم المناطق العشوائية وفق نشأتها الى مناطق عشوائية نشأت ببناء المساكن والمباني باجتهادات فردية من الأفراد بعضها بتراخيص وبعضها بدون تراخيص، وهي مناطق غير منظمة ولا تكتمل بها الخدمات والمرافق الضرورية وتصعب فيها حركة المركبات ولا يمكن معالجتها من خلال برامج التنمية العمرانية الاعتيادية. والثانية مناطق عشوائية شبه منظمة نشأت بدون تراخيص ولها تقسيمات شبه هندسية، وهي مناطق يسهل التعامل معها بالتطوير والتحسين، ويمكنها ان تستجيب لمعالجات وبرامج التنمية العمرانية المختلفة. اما المنطقة التاريخية أو البلد القديمة، التي تمثل النسيج العمراني العضوي التقليدي المخطط بطريقة عفوية بمبانيه القديمة فهي ليست عشوائية بنفس المفهوم السابق وبالتالي يجب التعامل معها بعناية فائقة ضمن اطر الحفاظ والتجديد المتعارف عليها مهنياً . رؤية الشؤون البلدية للمشكلة وتصف وزارة الشؤون البلدية والقروية لمناطق العشوائية بأنها «ظاهرة عمرانية في الحواضر الكبرى وعلى أطراف المدن وداخلها». ومن أسباب انتشارها طبقا لها «ضعف الرقابة الحكومية، والدوافع الاقتصادية والثقافية، وتحقيقها عوائد مالية مجزية للمتعاملين بها». . وأجرت أمانة جدة مؤخرا دراسة من خلال مكتب هندسي لتحليل خصائص هذه المناطق وإعداد مخططات تفصيلية لها ويمكن أن نقسم العشوائيات في جدة إلى ثلاثة أقسام هي: * العشوائيات الداخلية، وهي المناطق التي تقع داخل المدينة وهي عبارة عن أحياء محيطة بوسط المدينة حاليا لكنها كانت محيطة بالمدينة في السابق. * الأحياء العشوائية الموجودة بين الأحياء الداخلية وبين الخط السريع. * الأحياء الواقعة شمال وشرق الخط السريع. 60 حيا عشوائيا وحاليا يوجد في جدة قرابة 60 حياً عشوائياً تبلغ مساحتها نحو (53 كيلومتراً مربعاً)، وتمثل 6 % من الكتلة العمرانية لمحافظة جدة.وتشكل الأحياء الداخلية المشكلة الكبرى، لأنها نشأت مع بداية السبعينيات الهجرية، كما نمت جدة بدون تخطيط عمراني وهذا السبب الحقيقي لظهور العشوائيات. وتتميز المناطق العشوائية بان قاطنيها من الفقراء والأقل تعليما وفي أحيان كثيرة من غير السعوديين، ومن هنا نشأت المشاكل واستمر التردي العمراني وأصبحت هذه المناطق غير قادرة على استحداث التحسن الذاتي، وبرزت معها المشاكل مثل الانهيارات في المباني المبنية أصلا بغير أساس وبشكل غير منظم، ما أوجد الشوارع الضيقة التي أصبحت تمثل مشكلة كبيرة تواجه الدفاع المدني في الوصول إلى مباشرة الحوادث، و هذه المناطق يسكنها الآن 407 أشخاص في الهكتار الواحد، في حين من المفترض ألا يزيد على 120 شخصا في الهكتار الواحد. ويسكن هذه العشوائيات أكثر من 43 % من سكان جدة أي أنه يزيد على المليون شخص وتبلغ هذه العشوائيات 52 منطقة موزعة على شمال وجنوب وشرق ووسط جدة. ارتفاع الجرائم بالعشوائيات و في عام 2006 م حذرت دراسة أكاديمية من تنامي المخططات العشوائية في جدة لما لها من تأثير طردي على زيادة نسبة الجرائم. وأشارت الدراسة إلى أن 76.4 % من إجمالي الجرائم لعينة البحث وقعت داخل تلك المناطق الأمر الذي يجعل العشوائيات قنابل موقوتة. الدراسة التي أعدتها الدكتورة عبلة جميل حسنين رئيسة القسم النسائي بإدارة مكافحة المخدرات بجدة، حددت حي غليل كأول الأحياء من حيث عدد الجرائم إذ وقعت فيه 31.8% من إجمالي جرائم المناطق العشوائية ونسبة 24.3% من إجمالي الجرائم في جدة ككل. وكشفت الدراسة التي حملت العنوان «النمو الحضري واثره على تشكيل أنماط السلوك الانحرافي في المجتمع - دراسة سوسيولوجية مقارنة على جدة» أن نسبة جرائم السكر في المناطق العشوائية تبلغ 93.3% فيما تبلغ في المناطق الأخرى 6.7% . أما نسبة تعاطي المخدرات في العشوائية فتبلغ 88.9% مقارنة بـ 11.1 % في المناطق غير العشوائية، فيما تصل نسبة الجرائم الأخرى «ترويج المخدرات والأخلاقية وحيازة الأسلحة وإطلاق النار والدجل والشعوذة » إلى 100 % في المناطق العشوائية رغم أنها تنعدم في المناطق الأخرى غير العشوائية. وحول مستوى الدخل أشارت الدراسة إلى أن 15% من عينة البحث تقل دخولهم عن ألف ريال شهريا 32.5 % من العينة ليس لهم دخل، وبينت الدراسة ارتفاعا في معدلات التزاحم داخل مساكن الأحياء العشوائية إذ يسكن 47.5 % من أفراد العينة في منازل تتراوح عدد غرفها من 1-3 حجرات، فيما 54% منهم يقيم معهم من 5 - 14 شخصا مما يعد سببا كافيا للهروب من المنزل والبحث عن صحبة أخرى قد تكون جماعة منحرفة. وخلصت الدراسة إلى أن العشوائيات قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة وان المراهقين والشباب يجدون أنفسهم ضحايا المخدرات والجريمة. وأزاحت الدراسة الستار عن تاريخ حي غليل الذي يعود إلى العام 1374هـ وأقسامه وتطوره وأسباب كثافة وجود المتخلفين داخله ومستواهم المعيشي والتعليمي والمهني حيث كشفت أن نسبة الأمية تقترب إلى الثلث 30% فيما 54% من عينة البحث يحملون الشهادة الابتدائية مما يعني أن 84% من العينة دون مستوى التعليم المتوسط. الشؤون البلدية : ربط العشوائيات بالمخططات الهيكلية للمدن شرعت وزارة الشؤون البلدية في توثيق الأوضاع الراهنة للمناطق العشوائية، وربطها بالمخططات الهيكلية للمدن، بالتماشي مع الإستراتيجية العمرانية الوطنية التي صدرت في عام 2001، وذلك باستخدام المصورات الفضائية والمصورات الجوية، وأنظمة المعلومات الجغرافية المتوافرة في الوزارة والأمانات والبلديات. وتتجه الوزارة أيضاً لإجراء الدراسات والتحاليل الفنية اللازمة لهذه المناطق «العشوائيات» تمهيدا لبلورة المفاهيم التخطيطية، ووضع السياسيات والاختيارات واقتراح الحلول المناسبة مستقبلا، وإعداد تصور شامل عن جميع المناطق، والمواقع العشوائية، والأوضاع الراهنة في المدن بصفة عامة، والمناطق العشوائية حول المدن. وحددت الحكومة، 3 مراحل، للتعامل مع ملف المناطق العشوائية، بدءاً من دراسة واقع تلك العشوائيات، وتحديدها طبقا لمسح جغرافي معين، مرورا بطرحها على المستثمرين، قبل أن تدخل مرحلة معالجة أوضاعها عبر مجموعة مقاولين. وسيركز مشروع معالجة ملف المناطق العشوائية، في بداياته، على المدن الرئيسية في المناطق الإدارية الـ13، حيث سينظر في أسباب نشأة العشوائيات، وتحديد مواقعها على المخططات العامة للمحافظات والمدن، تمهيدا لمعالجتها بما يحقق التنمية العمرانية المستدامة، ويتوافق مع الخطط التنموية للبلاد، ومع توجهات الإستراتيجية العمرانية الوطنية.ويتطلب تطوير المناطق والمواقع العشوائية، كلفة مالية عالية، بسبب طبيعة الإجراءات المطلوبة، مثل نزع الملكية، والتنظيم، وبناء شبكات الطرق والمرافق العامة، مع صعوبة تنفيذها وصيانتها. وتتمثل تلك المناطق، بالمواقع العمرانية المتهالكة القديمة داخل المدن، وتجمعات واضعي اليد التي تحتل أطراف المدن خارج المخططات العمرانية، وكذلك المناطق والأحياء التي نشأت داخل أو المدن خارجها من دون تخطيط مسبق وفي غيبة عن الأسس الفنية والنظامية المتبعة. خصائص المناطق العشوائية - المباني: لا تخضع أغلبيتها للأسس التخطيطية والمعمارية المعتمدة، وبعضها لم يحصل على تراخيص البناء من الأمانة- البلدية. - الخدمات: تتوزع الخدمات في تلك المناطق بصورة عشوائية ولا تخضع لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني. - شبكة الطرق: غير مخططة أو منظمة وتتباين فيها عروض الطرق نتيجة عشوائية بناء المباني، واغلب الطرق غير ممهدة (ترابية بلا أرصفة) وقد لا تسمح عروضها بمرور السيارات. - البنية التحتية: (شبكة المياه، الصرف الصحي، الكهرباء، الهاتف) لهذه المناطق دون المستوى المطلوب وقد لا تخدم كافة المباني وليست بمستوى الكفاءة التي تسمح بتطويرها. ـ- التصميم الحضري: لا يتفق مع معايير التصميم العمراني نتيجة النشأة العفوية للمباني والطرق ولم تخضع مبانيها للضوابط المعمارية لأحجام وارتفاعات المباني ومسافات الارتداد ونسبة البناء المتفقة مع معايير التخطيط المعتمدة مما قلل من وجود الفراغات العامة والساحات المخططة والحدائق المفتوحة وزاد من فوضى التلوث البصري. – البيئة: تكثر في هذه المناطق الشوارع الترابية وتقل بها المسطحات الخضراء والمناطق المفتوحة ويتدنى بها مستوى النظافة وصحة البيئة. – اجتماعية وأمنية: خلل واضح في التركيبة السكانية يتميز بكثافة عالية وتدني مستوى التعليم والدخل وقلة الملاك مع ارتفاع معدل البطالة والجريمة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي .



--
المصدر
العدد : 17602 جريدة المدينة
 
أعلى