أجرى موقع السلطة المحلية التونسي المختص في اللامركزية والحكم المحلي؛ حوارا مطولا مع الباحث الموريتاني في جغرافية التنمية الدكتور سليمان حامدون. وتطرق الحوار إلى التجربة اللامركزية في موريتانيا وبعض دول المنطقة. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه مدير الموقع الأستاذ بشير يوسفي:
1. مساء الخير دكتور لو تقدّم نفسك للقراء
في البداية أحييكم وأشكركم أخ بشير على إتاحة هذه الفرصة للحديث إلى قرائكم الكرام.
سليمان حامدون حرمه، موريتاني الجنسية، متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في الجغرافيا من جامعة تونس، وعلى الدكتوراه من جامعة ابن طفيل بالمغرب. أستاذ ومؤطر بجامعتي سبها في ليبيا ونواكشوط في موريتانيا بين سنتي 2004 و2010.
أحاول منذ سنة 2003 الاشتغال على إشكالية العلاقة بين اللامركزية والتنمية، حيث نشرت عدة أعمال بحثية، كما شاركت في مؤتمرات وندوات وورشات ودورات تكوينية بكل من موريتانيا والمغرب والسنغال وبنين حول قضايا اللامركزية والتنمية المحلية والهندسة التربوية.
1. مساء الخير دكتور لو تقدّم نفسك للقراء
في البداية أحييكم وأشكركم أخ بشير على إتاحة هذه الفرصة للحديث إلى قرائكم الكرام.
سليمان حامدون حرمه، موريتاني الجنسية، متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في الجغرافيا من جامعة تونس، وعلى الدكتوراه من جامعة ابن طفيل بالمغرب. أستاذ ومؤطر بجامعتي سبها في ليبيا ونواكشوط في موريتانيا بين سنتي 2004 و2010.
أحاول منذ سنة 2003 الاشتغال على إشكالية العلاقة بين اللامركزية والتنمية، حيث نشرت عدة أعمال بحثية، كما شاركت في مؤتمرات وندوات وورشات ودورات تكوينية بكل من موريتانيا والمغرب والسنغال وبنين حول قضايا اللامركزية والتنمية المحلية والهندسة التربوية.
2. لو تعطينا لمحة تاريخية عن مسار اللامركزية في الشقيقة موريتانيا؟
عرفت موريتانيا في ظل الاستعمار الفرنسي تجربة لامركزية محدودة تمثلت في إنشاء بلديات مختلطة سنة 1953 بمدن أطار وكيهيدي وروصو، تلتها مدينة بوغي عام 1955، واستمرت هذه التجربة سنوات قليلة بعد الاستقلال فتم تقسيم التراب الوطني بموجب المادة 63 من دستور 1961 إلى ثلاثة أنواع من البلديات: حضرية ونموذجية وريفية. قبل العدول عن هذا النموذج لصالح الولاية كجماعة ترابية لامركزية. حيث تم بموجب قانون 4 مارس 1968 إلغاء البلديات الريفية وعددها آنذاك 34 بلدية ريفية، كما تم في 25 يناير 1969 إلغاء البلديات الحضرية الثماني وهي: روصو، كيهيدي، بوغي، أطار، نواكشوط، نواذيبو، عيون العتروس والزويرات.
أما مسلسل البلدنة الحالي فبدأ سنة 1986 بإنشاء بلديات الجيل الأول في العاصمة نواكشوط وعواصم الولايات وعددها 13 بلدية، ليقع في السنة الموالية - أكتوبر 1987- إحداث بلديات الجيل الثاني أي عواصم المقاطعات وعددها 32 بلدية، في حين تم بعث البلديات الريفية (بلديات الجيل الثالث) والبالغة 163 بلدية في 6 ديسمبر 1988. ثم وقع لاحقا تقسيم بلدية نواكشوط - بموجب المرسوم 70-2001 الصادر في 28 يونيو 2001- إلى تسع دوائر بلدية تتفق حدودها مع حدود مقاطعات العاصمة. كما أحدثت مؤخرا بلديتا أنبيكت لحواش (2011) والشامي (2013)، ليصل مجموع بلديات البلاد حاليا (فبراير 2017) إلى 218 بلدية موزعة على عموم التراب الوطني، فضلا عن النظام الخاص بمجموعة نواكشوط الحضرية.
3. ما هي أهم الإضافات التي وردت في الدستور الموريتاني الحالي في الجانب الذي يخصّ اللامركزية والسلطة المحلية؟
ينص الدستور الموريتاني الحالي، في مادته 98، على أن ((المجموعات الإقليمية هي البلديات والوحدات التي يمنحها القانون هذه الصفة))، وهو ما يمنح البلدية مركزا قانونيا أقوي بوصفها الجماعة المحلية الوحيدة المنصوص عليها دستوريا، مع ترك الباب مفتوحا للمشرع لإنشاء جماعات محلية أخري عند الحاجة.
ولئن كانت الجماعات الترابية قد اقتصرت حتى الآن على المستوى البلدي فقط، فإنه يجري الحديث منذ أشهر عن إجراء تعديلات دستورية يتم بمقتضاها إرساء المستوى الجهوي كنمط جديد من الجماعات الترابية. فقد دعا رئيس الجهورية خلال خطابه في مدينة النعمة يوم 3 مايو 2016 إلي حوار سياسي شامل لاقتراح ونقاش جملة من الإصلاحات الدستورية السياسية والإدارية، من بينها مقترح إنشاء مجالس جهوية للتنمية في الولايات. وهو ما تم بالفعل تبنيه في الوثيقة المتوجة لما سمي بالحوار الوطني الشامل الصادرة بتاريخ 20 أكتوبر 2016، وينتظر أن تترجمه التعديلات الدستورية المنتظرة خلال الدورة البرلمانية الطارئة ليوم الأربعاء 22 فبراير الجاري.
4. ماذا تحقّق إلى حدّ الآن، ما هو تقييمك لمسار إرساء اللامركزية في موريتانيا؟
في تقديري فإن نظرة تقويمية لسياسة اللامركزية بعد مضي ثلاثة عقود على قيام التجربة البلدية تشير إلى نجاح هذه السياسة في بعض الجوانب، كما تشير إلى رغبة في تفعيلها من قبل المعنيين بها على مستوى النصوص على الأقل. ولكن التأثير الاقتصادي والاجتماعي للإصلاحات اللامركزية لا يزال ضعيفا نسبيا على صعيد الجماعات الترابية، وهو أمر ناتج أساسا عن الطابع غير المكتمل للجهاز المؤسسي والتنظيمي، وعن عدم التناسق بين الفضاء الاقتصادي والفضاء السياسي فيما يخص التقطيع البلدي، وعن التداخل بين اختصاصات الدولة والمؤسسة البلدية، إضافة إلى قلة الموارد المالية المعبأة.
وعلى الصعيد المؤسسي يتميز التنظيم الإداري بعدم الوضوح، فيما يتعلق بتوزيع المهام والوظائف. مما يؤدي إلى تداخل الصلاحيات بين البلديات ومختلف القطاعات الوزارية والوكالات المستقلة. في ظل سيطرة سلطة الوصاية، والنقص في تحويل الصلاحيات التي منحها القانون للبلديات.
ومن ناحية الموارد البشرية نلاحظ ضعف قدرات البلديات في مجالات التسيير والإشراف على الأشغال وتنفيذها، والشراكة مع فاعلي المجتمع المدني. بسبب نقص كفاءة المنتخبين والعمال البلديين وعدم كفايتهم العددية.
5. ما هي أبرز صلاحيات الجماعات العمومية المحلية في موريتانيا؟
تضطلع البلدية وفقا للمادة 2 من الأمر القانوني 289.87 بتسيير المصالح البلدية وتسهر علي ضمان توفير الخدمات العمومية الضرورية لتلبية حاجيات السكان المحليين والتي لا تدخل بطبيعتها وأهميتها في اختصاصات الدولة. وتشمل صلاحيات البلدية خاصة شبكة الطرق المحلية، وبناء صيانة و تجهيز منشآت التعليم الابتدائي والمستوصفات ومراكز الأمومة والطفولة، وشبكة المياه والإنارة العمومية، والنقل الحضري والصحي والمدرسي، والوقاية، والتطهير والمساحات الخضراء، والأسواق والمسالخ، والمنشآت الرياضية والثقافية البلدية، والمقابر، ومساعدة المحتاجين، إضافة إلى إعداد وتسيير المناطق المتنازل عنها من الدولة للبلدية.
ويبدو أن القانون رقم 2011/003 المؤرخ في 1/1/2011 الذي يلغي ويحل محل القانون 96/017 الصادر بتاريخ 19 يناير 1996 والمتعلق بمدونة الحالة المدنية، قد ألغي دور البلديات في ما يخص الحالة المدنية حيث تم إسناد هذا الاختصاص إلى الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة.
6. بعض الباحثين في الشقيقة موريتانيا يحذرون من اللامركزية ومن تبعات اعتمادها ويتبنون أطروحة أنها ستكون مدخلا لتفتيت وحدة الدولة و نحن نعرف خصوصية القطر الموريتاني من ناحية البنية المجتمعية والسوسيولوجية التي مازال يغلب عليها الطابع القبلي ....هل من موجب لهذا الخوف في اعتقادك؟
في الواقع يواجه اللامركزية في موريتانيا تحد جدي يتمثل في الحاجة الماسة إلى إرساء تقطيع ترابي يؤسس لمجالات محلية وجهات تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتتصف بالنجاعة الاقتصادية. في المقابل يخشى أن يفضي تعزيز اللامركزية وبروز جماعات إقليمية ذات صلاحيات واسعة واستقلالية مدعمة إلى تغذية النزعات الانفصالية لبعض الجهات والإثنيات وتهديد الوحدة الترابية للكيان الموريتاني. وقد يكون البعد السياسي للامركزية –رغم دوره في دعم الدمقرطة وترسيخ المواطنة- قد ساهم بالفعل في إيقاظ التحالفات القبلية التقليدية أحيانا من خلال تشكيل وإدارة بعض القوائم والحملات الانتخابية البلدية.
غير أن هذا التخوف –في رأيي- يجب أن لا يكون مبررا للعزوف عن الخيار اللامركزي في الحكم وهو خيار يبدو لي لا رجعة فيه فإذا كان القرن العشرين هو قرن الدولة فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الجماعات الترابية. وهناك من يرى أن المجالس الجهوية قد تحد من نفوذ القبائل في الانتخابات المحلية.
7. لامركزية متطورة وناجعة تؤسس لمقاربة تشاركية تفترض توفّر مجتمع مدني (أهلي) فاعل و مؤثّر، ما هو تقييمك الشخصي لحالة المجتمع المدني في موريتانيا وهل هو قادر على لعب الأدوار التي من المفروض إن يلعبها من مسائلة ومحاسبة؟
لا تزال منظمات المجتمع المدني الوطنية، على أهميتها العددية والنوعية، عاجزة عن بناء علاقات شراكة ناجحة ودائمة مع البلديات. حيث تحتاج الجمعيات المتدخلة في الجهود التنموية على المستوى البلدي إلى تكريس الأسس العامة للعمل الجمعوي، وإلى ديمقراطية وشفافية أكثر في تدبيرها وعلاقة القائمين عليها فيما بينهم أو في علاقتهم بشركائهم، كما يقف ضعف تكوين وكفاءة الأعضاء دون إنجاز المهام والتمتع بالاستقلالية.
وهذا لا ينفي وجود نماذج ناجحة من الفعل المدني حيث تساهم الجمعيات الشبابية والنسائية عن طريق أنشطة التوعية والمناصرة في تعزيز قيم الحرية والمساواة، رغم أن معظمها يعتمد في تمويل أنشطته على مصادر أجنبية.
8. هل من الممكن دكتور أن نتحدث عن مسار لامركزية إدارية في ظل تركّز إداري متوارث منذ عقود طويلة كما هي الحالة في موريتانيا وكل الدول المغرب العربي ؟
فعلا هذه إحدى العقبات التي تعترض سبيل ترسيخ اللامركزية، حيث نلاحظ في بلداننا المغاربية –وإن بدرجات متفاوتة- استمرار ثقافة مقاومة التغيير المتسمة بطابعها المتمركز، فالمركز غالبا لديه استعداد محدود لمنح الثقة وتفويض الاختصاصات لأجهزة الحكم المحلي. ومن ناحية أخرى فاللاتمركز الإداري (La déconcentration administrative) بوصفه اللازمة الضرورية أو الوجه الآخر لعملة اللامركزية، لا يزال بعيدا عن مصاحبة هذه الأخيرة وتقويتها ودعمها بكيفية يقظة ووازنة. وباختصار فإن ضعف اللاتمركز الإداري يؤثر سلبا على اللامركزية.
9. ما هو تقييمك وأنت القريب من واقع المغرب الأقصى الشقيق لتجربتهم في اللامركزية خاصة أن الإخوة المغاربة يتحدثون عن جهوية موسّعة ؟
كملاحظات عامة ومختصرة أعتقد من زاوية المتابع أن المغرب تمكن على مدى عقود عديدة من بناء تجربة لامركزية هامة، شهدت طرح موضوع الجهوية في سياقات تاريخية واجتماعية وسياسية مختلفة. بدءا بمرحلة الجهات الاقتصادية السبع مطلع عقد السبعينيات، ثم وقع الارتقاء بالجهة إلى مستوى الجماعة المحلية بمقتضى دستور 1992 المعدل، ليصبح عدد الجهات 16 جهة في النصف الثاني من التسعينيات.
وقد تعززت سياسة اللامركزية في المغرب من خلال إتباع ما عرف بالجهوية المتقدمة وفق ما ورد في الخطاب الملكي ليوم 3 يناير 2010. كما أكد دستور 2011 على الخيار الجهوي ووضع مجموعة أسس لتجاوز الإشكالات التي رافقت التجربة. وأخيرا جاء مرسوم 40-15– 2 المؤرخ في 20 فبراير 2015 الذي تم بموجبه تقسيم التراب المغربي إلى 12 جهة و75 إقليما وعمالة.
ورغم محاولات الإصلاح هذه، يطرح الباحثون والممارسون التنمويون في المغرب اليوم أسئلة كبرى حول إشكاليات إعادة التشكيل المجالي ورهانات التنمية المحلية، وآفاق التضامن والتآزر بين الجهات، وكذلك منزلة الجهوية المتقدمة من مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، وغير ذلك.
10. ماذا عن دول غرب إفريقيا، ألا تشاطرني الرأي دكتور أنهم تقدموا أشواطا كبيرة في هذا المجال بينما أضعنا نحن كدول عربية افريقية الكثير من الوقت ؟
أتيحت لي فرصة الاطلاع ميدانيا على جوانب من التجربتين السنغالية والبنينية في اللامركزية والحكم المحلي، ويمكن القول إن بلدان غرب إفريقيا استفادت كثيرا من ميراث الإدارة الكولونيالية الفرنسية ومن ثمار التعاون اللامركزي الدولي،
لقد وقفت مثلا في مدينة سينلوي خلال جولة دراسية سنة 2014 على تجربة فريدة في شبه المنطقة، تتجلى فرادتها في ثلاثة نماذج مؤسسية هي: الوكالة الإقليمية للتنمية ووكالة التنمية البلدية ومجالس الأحياء، وهي أطر رائدة لتدبير التنمية إقليميا ومحليا .
كما حضرت الكثير من النقاشات حول العقد 3 للامركزية في السنغال الذي كان يومئذ الشغل الشاغل للإداريين والساسة والباحثين لما يرتبط به من رهانات تنموية وانتخابية وتسييرية.
نأمل أن نستفيد من تجارب جاراتنا الجنوبية في الحكم المحلي علنا ننتقل بجماعاتنا الإقليمية من تجريد النصوص القانونية إلى الممارسة الميدانية للتنمية.
11. مشكور دكتور على هذا الحوار المطوّل، كلمة أخيرة لو تفضلت.
اسمحوا لي في الختام أن أجدد لكم شكري وتقديري أخي وصديقي بشير وأن أعبر لكم عن سعادتي الكبيرة بهذا الحوار، راجيا أن تتاح لنا فرص أخرى قادمة لتعميق الحوار والتبادل، وأتمنى المزيد من التقدم والازدهار والاستقرار لتونس واستمرار النجاح في مسيرتها التنموية. كما آمل أن يتحقق حلمنا المشترك في تجسيد مشروع الاتحاد المغاربي الذي لا يتعارض –كما قد يتوهم البعض- مع الخيار اللامركزي، فبناء الفضاء المغاربي المشترك على أساس متين؛ يمر حتما عبر توفير الشروط الضرورية لتحقيق التنمية في بعديها المحلي والجهوي.
المصدر: موقع السلطة المحلية على الرابط التالي:
أكثر...